الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (11- 12): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}هذه الآيات والتي بعدها نزلت في خلق أهل الجاهلية. وذلك لأنهم كانوا يجرون مع الشهوات نفوسهم لم يقومهم أمر من الله ولا نهي. فكان الرجل يسطو ويهمز ويلمز وينبز بالألقاب ويظن الظنون. فيتكلم بها. ويغتاب ويفتخر بنسبه إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطالة. فنزلت هذه الآية تأديباً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر بعض الناس لهذه الآيات أسباباً. فمما قيل: إن هذه الآية: {لا يسخر قوم} نزلت بسبب عكرمة بن أبي جهل وذلك أنه كان يمشي بالمدينة مسلماً، فقال له قوم: هذا ابن فرعون هذه الأمة، فعز ذلك عليه وشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقال القاضي أبو محمد: والقوي عندي أن هذه الآية نزلت تقويماً كسائر أمر الشرع ولو تتبعت الأسباب لكانت أكثر من أن تحصى.و: {يسخر} معناه: يستهزئ. والهزء إنما يترتب متى ضعف امرؤ إما لصغر وإما لعلة حادثة، أو لرزية أو لنقيصة يأتيها، فنهي المؤمنون عن الاستهزاء في هذه الأمور وغيرها نهياً عاماً، فقد يكون ذلك المستهزأ به خيراً من الساخر، والقوم في كلام العرب: واقع على الذكران، وهو من أسماء الجمع: كالرهط والنفر. وقول من قال: إنه من القيام أو جمع قائم ضعيف، ومنه قول الشاعر وهو زهير: [الوافر]وهذه الآية أيضاً تقتضي اختصاص القوم بالذكران، وقد يكون مع الذكران نساء فيقال لهم قوم على تغليب حال الذكور، ثم نهى تعالى النساء عمّا نهى عنه الرجال من ذلك.وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود: {عسوا أن يكونوا}، {وعسين أن يكن}.و: {تلمزوا}، معناه: يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص ونحوه، وقد يكون اللمز بالقول وبالإشارة ونحوه مما يفهمه آخر، والهمز لا يكون إلا باللسان، وهو مشبه بالهمز بالعود ونحوه مما يقتضي المماسة، قال الشاعر [رؤبة]: وقيل لأعرابي: أتهمز الفأرة فقال الهر يهمزها. وحكى الثعلبي أن اللمز ما كان في المشهد والهمز ما كان في المغيب. وحكى الزهراوي عن علي بن سليمان عَكَّهُ من ذلك فقال: الهمز أن يعيب حضرة واللمز في الغيبة. ومنه قوله تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1] ومنه قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58].وقرأ الجمهور: {تلمِزوا} بكسر الميم. وقرأ الأعرج والحسن: {تلمُزوا} بضم الميم. قال أبو عمرو بن العلاء: هي عربية. قراءتنا بالضم وأحياناً بالكسر.وقوله تعالى: {أنفسكم} معناه: بعضكم بعضاً كما قال: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] كأن المؤمنين كنفس واحدة إذ هم إخوة. فهم كما قال صلى الله عليه وسلم: «كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى» وهم كما قال أيضاً: «كالبنيان يشد بعضه بعضاً». والتنابز: التلقب والنبز واللقب واحد. أو اللقب: هو ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها. وروي أن بني سلمة كانوا قد كثرت فيهم الألقاب، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم فقال له: يا فلان، فقيل له: إنه يغضب من هذا الاسم، ثم دعا آخر كذلك. فنزلت الآية في هذا. وليس من هذا قول المحدثين سليمان الأعمش. وواصل الأحدب. ونحوه مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد استخفاف وأذى. وقد قال عبد الله بن مسعود لعلقمة: وتقول أنت ذلك يا أعور. وأسند النقاش إلى عطاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنوا أولادكم؟» قال عطاء: مخافة الألقاب. وقال ابن زيد. معنى: {ولا تنابزوا بالألقاب} أي لا يقول أحد لأحد: يا يهودي بعد إسلامه. ولا يا فاسق بعد توبته. ونحو هذا. وحكى النقاش أن كعب بن مالك وابن أبي حدرد تلاحيا، فقال له كعب: يا أعرابي. يريد أن يبعده من الهجرة. فقال له الآخر: يا يهودي. يريد لمخالطة الأنصار اليهود في يثرب. فنزلت الآية.وقوله تعالى: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} يحتمل معنيين: أحدهما: بئس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فساقاً بالمعصية بعد إيمانكم. والثاني: بئس ما يقول الرجل لأخيه: يا فاسق بعد إيمانه. وقال الرماني: هذه الآية تدل على أنه لا يجتمع الفسق والإيمان.قال القاضي أبو محمد: وهذه نزعة اعتزالية.ثم شدد تعالى عليهم النهي. بأن حكم بظلم من لم يتب ويقلع عن هذه الأشياء التي نهى عنها. ثم أمر تعالى المؤمنين باجتناب كثير من الظن. وأن لا يعملوا ولا يتكلموا بحسبه، لما في ذلك وفي التجسس من التقاطع والتدابر. وحكم على بعضه بأنه {إثم} إذ بعضه ليس بإثم. ولا يلزم اجتنابه وهو ظن الخير بالناس وحسنه بالله تعالى. والمظنون من شهادات الشهود والمظنون به من أهل الشر. فإن ذلك سقوط عدالته وغير ذلك هي من حكم الظن به. وظن الخير بالمؤمن محمود والظن المنهي عنه: هو أن تظن سوءاً برجل ظاهره الصلاح. بل الواجب تنزيل الظن وحكمه وتتأول الخير. وقال بعض الناس: {إثم} معناه: كذب. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». وقال بعض الناس. معنى: {إن بعض الظن إثم} أي إذا تكلم الظان أثم. وما لم يتكلم فهو في فسحة. لأنه لا يقدر على دفع الخواطر التي يبيحها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحزم سوء الظن».قال القاضي أبو محمد: وما زال أولو العلم يحترسون من سوء الظن ويسدون ذرائعه.قال سلمان الفارسي: إني لأعد غراف قِدْري مخافة الظن. وذكر النقاش عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «احترسوا من الناس بسوء الظن.» وكان أبو العالية يختم على بقية طعامه مخافة سوء الظن بخادمه.وقال ابن مسعود: الأمانة خير من الخاتم. والخاتم خير من ظن السوء.وقوله: {ولا تجسسوا} أي لا تبحثوا على مخبآت أمور الناس وادفعوا بالتي هي أحسن. واجتزوا بالظواهر الحسنة.وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين والهذليون: {لا تحسسوا} بالحاء غير منقوطة. وقال بعض الناس: التجسس بالجيم في الشر. والتحسس بالحاء في الخير. وهكذا ورد القرآن، ولكن قد يتداخلان في الاستعمال. وقال أبو عمرو بن العلاء: التجسس: ما كان من وراء وراء. والتحسس بالحاء: الدخول والاستعلام. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً». وذكر الثعلبي حديث حراسة عمرو بن عوف ووجودهما الشرب في بيت ربيعة بن أمية بن خلف. وذكر أيضاً حديثه في ذلك مع أبي محجن الثقفي. وقال زيد بن وهب. قيل لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً؟ فقال: إنا نهينا عن التحسس. فإن يظهر لنا شيء أخذنا به.{ولا يغتب} معناه: ولا يذكر أحدكم من أخيه شيئاً هو فيه يكره سماعه. وروي أن عائشة قالت عن امرأة: ما رأيت أجمل منها إلا أنها قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «اغتبتها، نظرت إلى أسوأ ما فيها فذكرته» وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكرت ما في أخيك فقد اغتبته. وإذا ذكرت ما ليس فيه فقد بهته». وفي حديث آخر: «الغيبة أن تذكر المؤمن بما يكره». قيل: وإن كان حقاً. قال: «إذا قلت باطلاً فذلك هو البهتان». وقال معاوية بن قرة وأبو إسحاق السبيعي: إذا مر بك رجل اقطع. فقلت: ذلك الأقطع، كان ذلك غيب. وحكى الزهراوي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغيبة أشد من الزنا، لأن الزاني يتوب فيتوب الله عليه. والذي يغتاب يتوب فلا يتاب عليه حتى يستحل».قال القاضي أبو محمد: وقد يموت من اغتيب، أو يأبى.وروي أن رجلاً قال لابن سيرين: إني قد اغتبتك فحللني. فقال له ابن سيرين إني لا أحل ما حرم الله. والغيبة مشتقة من غاب يغيب. وهي القول في الغائب واستعملت في المكروه. ولم يبح في هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه من تجريح في الشهود وفي التعريف لمن استنصح في الخطاب ونحوهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما معاوية فصعلوك لا مال له». وما يقال في الفسقة أيضاً وفي ولاة الجور ويقصد به التحذير منه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعن الفاجر ترعون؟ اذكروا الفاجر بما فيه حتى يعرفه الناس إذا لم تذكروه» ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «بئس ابن العشيرة». ثم مثل تعالى الغيبة بأكل لحم ابن آدم الميت، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم. فمنه قول الشاعر [سويد بن أبي كاهل اليشكري]: [الرمل] ويروى فيحييني إذا لاقيته.ومنه قول الآخر: [المقنع الكندي]. فوقفهم الله تعالى على جهة التوبيخ بقوله: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً} فالجواب عن هذا: لا. وهم في حكم من يقولها. فخوطبوا على أنهم قالوا لا. فقيل لهم: {فكرهتموه} وبعد هذا مقدر تقديره: فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك. وعلى هذا المقدر يعطف قوله: {واتقوا الله} قاله أبو علي الفارسي. وقال الرماني: كراهية هذا اللحم يدعو إليها الطبع. وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل. وهو أحق أن يجاب. لأنه بصير عالم. والطبع أعمى جاهل.وقرأ الجمهور: {ميْتاً} بسكون الياء. وقرأ نافع وابن القعقاع وشيبة ومجاهد: {ميِّتاً} بكسرها والشد. وقرأ أبو حيوة: {فكُرّهتموه} بضم الكاف وشد الراء.ورواها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أعلم بأنه {تواب رحيم} إبقاء منه تعالى وإمهالاً وتمكيناً من التوبة. .تفسير الآيات (13- 14): {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)}قوله تعالى: {من ذكر وأنثى} يحتمل أن يريد آدم وحواء. فكأنه قال: إنا خلقنا جميعكم من آدم وحواء. ويحتمل أن يريد الذكر والأنثى اسم الجنس. فكأنه قال: إنا خلقنا كل واحد منكم من ماء ذكر وما أنثى. وقصد هذه الآية التسوية بين الناس. ثم قال تعالى: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} أي لئلا تفاخروا ويريد بعضكم أن يكون أكرم من بعض. فإن الطريق إلى الكرم غير هذا: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وروى بو بكرة: قيل يا رسول الله: من خير الناس؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله». وفي حديث آخر من خير الناس؟ قال: «آمرهم بالمعروف. وأنهاهم عن المنكر. وأوصلهم للرحم وأتقاهم». وحكى الزهراوي أن سبب هذه الآية غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة، وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح عند النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن فلانة، فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: «إنك لا تفضل أحداً إلا في الدين والتقوى» فنزلت هذه الآية ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضاً، والشعوب: جمع شعب وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطاً بنسب واحد، ويتلوه القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الأسرة والفصيلة: وهما قرابة الرجل الأدنون فمضر وربيعة وحمير شعوب، وقيس وتميم ومذحج ومراد، قبائل مشبهة بقبائل الرأس، لأنها قطع تقابلت وقريش ومحارب وسليم عمارات، وبنو قصي وبنو مخزوم بطون، وبنو هاشم وبنو أمية أفخاذ، وبنو عبد المطلب أسرة وفصيلة، وقال ابن جبير: الشعوب: الأفخاذ. وروي عن ابن عباس الشعوب: البطون، وهذا غير ما تمالأ عليه اللغويون. قال الثعلبي، وقيل: الشعوب في العجم والقبائل في العرب، والأسباط في بني إسرائيل. وأما الشعب الذي هو في همدان الذي ينسب إليه الشعبي فهو بطن يقال له الشعب.قال القاضي أبو محمد: وقيل للأمم التي ليست بعرب: شعوبية، نسبة إلى الشعوب، وذلك أن تفصيل أنسابها خفي فلم يعرف أحد منهم إلا بأن يقال: فارسي تركي رومي زناتي. فعرفوا بشعوبهم وهي أعم ما يعبر به عن جماعتهم، ويقال لهم الشعوبية بفتح الشين، وهذا من تغيير النسب، وقد قيل فيهم غير ما ذكرت، وهذا أولى عندي.وقرأ الأعمش: {لتتعارفوا} وقرأ عبد الله بن عباس: {لتعرفوا أن}، على وزن تفعِلوا بكسر العين وفتح الألف من أن، وبإعمال {لتعرفوا} فيها، ويحتمل على هذه القراءة أن تكون اللام في قوله: لتعرفوا لام كي، ويضطرب معنى الآية مع ذلك، ويحتمل أن تكون لام الأمر، وهو أجود في المعنى، ويحتمل أن يكون المفعول محذوفاً تقديره: الحق، وإذا كانت لام كي فكأنه قال: يا أيها الناس أنتم سواء من حيث أنتم مخلوقون لأن تتعارفوا ولأن تعرفوا الحقائق، وأما الشرف والكرم فهو بتقوى الله تعالى وسلامة القلوب.وقرأ ابن مسعود: {لتعارفوا بينكم وخيركم عند الله أتقاكم}. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يكون أكرم الناس، فليتق الله». ثم نبه تعالى على الحذر بقوله: {إن الله عليم خبير} أي بالمتقي الذي يستحق رتبة الكرم في الإيمان، أي لم تصدقوا بقلوبكم {ولكن قولوا أسلمنا}. والإسلام يقال بمعنيين، أحدهما: الدين يعم الإيمان والأعمال، وهو الذي في قوله: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] والذي في قوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس» والذي في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين قال له: ما الإسلام؟ قال: بأن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، والذي في قوله لسعد بن أبي وقاص: «أو مسلماً، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه» الحديث، فهذا الإسلام ليس هو في قوله: {ولكن قولوا أسلمنا} والمعنى الثاني للفظ الإسلام: هو الاستسلام والإظهار الذي يستعصم به ويحقن الدم، وهذا هو الإسلام في قوله: {ولكن قولوا أسلمنا}، و{الإيمان} الذي هو التصديق أخص من الأول وأعم بوجه، ثم صرح لهم بأن {الإيمان} لم يدخل قلوبهم ثم فتح لهم باب التوبة بقوله: {وإن تطيعوا الله} الآية، وطاعة الله ورسوله في ضمنها الإيمان والأعمال.وقرأ جمهور القراء: {لا يلتكم} من لات يليت إذا نقص، يقال: لاته حقه إذا نقصه منه، ولت السلطان إذا لم يصدقه فيما سأل عنه. وقرأ أبو عمرو والأعرج والحسن وعمرو: {لا يألتكم} من ألت يألت وهو بمعنى: لات، وكذلك يقال: ألتِ بكسر اللام يألت، ويقال أيضاً في معنى لات، ألت يولت ولم يقرأ بهذه اللغة وباقي الآية ترجية.
|